Thursday, June 25, 2009

بين يدي الفكر "1" ...في افاق فكر راشد

بسم الله الرحمن الرحيم
(ميز الله الانسان بالعقل ) .. هذه العبارة نسمعها ونرددها كثيرا ، وكانت عندها هذه الوقفة وبدأ من عندها طيف التأمل ، وثار سؤالا تردد في أنحاء فكري ، ما هي وظيفة هذا العقل ؟ فكانت الاجابة أسرع ظهورا من السؤال ، وجدت عقلي يبعثها الى نفسي مؤكدا أن وظيفته هي التفكير، فكان الاستنتاج المنطقي ، وتبدلت ألفاظ العبارة في عقلي لتحمل معها موجة هادرة من التساؤلات والتأملات ، تبدلت العبارة إلى (ميز الله الانسان بالفكر ) ، ومضى العقل يبعث إلي براهينه على صدق هذه الاجابة فكان قول الله عز وجل " هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون " ، ثم أردف بقول الله تعالى " أفلا تتفكرون " وما كدت انتهي من بحث هذه الحجة الا تلقاني قول الله عز وجل " لعلكم تتفكرون " ، الى هنا أدركت أن العقل نعمة وظيفتها الفكر ، والفكر وظيفة ميز الله بها الانسان بل أمره بها أمرا صريحا وارتقى الأمر إلى ان أصبح مقياسا لتفضيل البشر بعضهم على بعض .
فمن ترك الفكر وآثر الركون والدعة ونام على ضفاف التبعية والخمول فقد أعلن إضرابا على هذا التفضيل وأعلن رضاه عن المساواة بغيره من المخلوقات ، وكيف لا ؟ و قد عطل هذه الموهبة التي وهبها الله له ، وفضله بها على غيره.
ومن المآسي التي ابتلينا بها في هذا العصر هي اعتقاد سائد بين الشباب من أبناء هذه الامة بل وان شئت قل من أبناء الحركة الاسلامية كذلك ، قناعة داخلية تجزم بأن ميدان الفكر محاط بأسوار عالية من الاسلاك الشائكة لا يتخطاها الا أناس لهم من القدرات ما لهم ولهم من العلم ما يعجز الكثيرون عن الاتيان بمثله ، ينظرون الى أصحاب الفكر والرأي وكأنهم كتيبة من أصحاب القدرات الخارقة والملكات الفريدة ، فما كان منهم الا أن عاشوا حياة لا فكر فيها ولا عقل ، ورضوا لأنفسهم المقام في مقاعد المتلقي على طول الخط ، لا يجروء أحدهم أن يعتلي منصة الحديث ولو حتى أمام نفسه ، فدب الركود في أيامهم واقتحم الجدب افاق اعمالهم وروى الفتور مناشطهم بماء حميم ، ووقفوا امام الملمات عاجزين ، ينتظرون صاحب الفكر الخارق الذي تكونت صورته في خيالهم ليخرجهم من هذه المعضلات.
إن ميدان الفكر ميدان خصب رحيب يقبل كل انسان عاقل ، بل لا تكتمل آدمية الانسان الا اذا دخل هذا الميدان وكان له فيه من الجولات ما يجعل منه عنصرا رائعا في مجتمعه وبين أقرانه ، له رأيه ورؤيته ، تكونت له ذات مستقله حبلى ، تحمل آماله وأحلامه وتقتات من ثقافته وواقعه حتى يأتي مخاضها فتضع مستقبلا مليئا بالخير وكلما وضعت مولودا ازداد شوقها الى آخر ، وهؤلاء هم الذين يصنعون هذه الحياة فالحياة ما هي الا مولود يحيا في أرحام هذه العقول التي خلقت لتفكر لا ليفكر لها غيرها.
لست انكر أبدا أن الفكر يحتاج الى علم ، ولكني أثبت أيضا ان العلم يحتاج الى فكر ، فهما صديقان يسيران معا ، يقودك كل منهما إلى صاحبه لا تبالي بأيهما بدأت ، فاذا أطلقت عقلك مفكرا متاملا ، برزت التساؤلات وألحت الاستفسارات البعيدة فلن تجد ملاذا الا أوراق الكتب ومجالسة اهل العلم وكلما عانقت هذا العلم عن لك من الامور ما يستحث فكرك على النهوض والنفير وهكذا في دائرة مغلقة تسفر دائما عن بناء الحضارات والامم ..
ما أعنيه هنا من الفكر ليس هذه الالفاظ الفخمة والعبارات المنمقة ، ولا هذه الفلسفات العقيمة التي لا تأتي بخير ، فهذه لا تعدو الا أن تكون مظاهرا كاذبة و "ديكورات" خادعة لاتنم الا عن ضحالة وخواء ، ولكني أقصد هذا الفكر الهادئ العميق الذي ينظر الى تلك الحياة وكأنها مجموعة لانهائية من التساؤلات التي تبحث عن اجابة فاذا ما اوحى عقله اليه بأحدها لا يطمئن الا إذا أنزلها حيز التجريب والاختبار فيبثها عقله الى روحه ومنها الى واقعه فيراها غيره كيانا ماثلا أمامه متحدثا عن نفسه وقد استغنى عن أحاديث غيره عنه ولو كان هذا الغير هو صاحب الفكرة ، نعم هو فكر لا يعرف الاوراق والكلمات والاسماع ولكنه يعرف الارواح والأنظار والجوارح جيدا ...
فهيا بنا نخوض هذا الميدان الرحب ، ننطلق في آفاق التأمل والفكر بعقول تؤمن أنها خلقت لتفكر ، نقتحم بها كل زاوية مظلمة ، نجعل من أنظارنا وقلوبنا وقودا لهذه الافكار ، نأخذ بعنانها في ميدان الحياة لتهذب أرواحنا وتقود أفعالنا ، وعند ذلك تكون النهضة ويكون النجاح ، ويكون ذلك الجيل الذي كتب الله النصر على يديه....
والله الموفق
أخوكم
عمرو عبد الباري

6 comments:

Heba Mohamed said...

أطيب تحية لكم أخي الكريم على كلماتكم الرائعة ..

أتمنى ان يفقه الشباب الخيط الرفيع الذي يفصل بين عبودية العقل والفكر غير المنضبط وبين التقليد والنسخ والقولبة..
فالتطرف نصير كلاهما إن لم يكن هناك وعي وغدراك كافيين..

جزاكم الله خيراً

Omar Elgarhy said...

السلام عليكم ورحمة الله

عمور حبيبي . اخبارك ايه ؟؟

واحشنى يا ولدي :D

المهم .. انا كنت شايف ان تكريم ربنا سبحانه وتعالى لينا مش بسبب العقل .. ولا التفكير .. لانه فعليا ثبت ان بعض الحيوانات عندها عقول ونوع من انواع التفكير .. مش زي البشر طبعا لكن اهو موجود ..

لكن التكريم الحقيقي لينا كان اختياره سبحانه وتعالى لينا بانه يكرمنا احنا .. دونا عن باقى المخلوقات الاخرى

انا كنت كتبت حاجة عن الموضوع ده فى البلوج عندي

elgarhy.blogspot.com

tarek elwan said...

الفاضل جزيتم خيرا وزادكم الله الاخ اعلما وحكمة وثباتا وايد الله الحق بفكركم وايد بفكركم الحق ...اكيد انتا عارف يادكتور ان عقلية المجتمع المصرى بل والعربى كله قائمة على التقليد والنسخ والمحاكاة( بدعوى احترام الكبار وتقدير ذوى الخبرة وانهم الاكثر تجربة وحنكة ودراية واحنا منجيش جنب ضوافرهم حاجة ......الخ هذة الاسطوانة العقيمة) وكل من سولت نفسه له ذات يوم ان يستخدم هذا العضو اللى شايله فوق كتافه مدى حياته تهب عليه الاعاصير والزعابيب وينال من الانتقادات والمزايدات والاتهامات مانال احمد فى خلق القران ..بالله عليك ياراجل ياطيب تقدح لنا زناد الفكر الصحيح وتدون لنا اهم العوائق التى تعترض كل صاحب دماغ فكر يشغله فى يوم من الايام وكيف يقف فى وجه هذة الزعابيب التى يواجهها. اصل اخوك فى الله هبت عليه كام زعبوبة كدن ان يحطمنه ويحتاج من يسانده فى ميدان تشغيل العقل من اخوانه الكرام ....همسه بسيطة____وثار سؤالا تردد فى انحاء فكرى ____بقى ينفع كدة برضه سؤالا ...ياشاعر القبيلة؟؟؟؟؟

عمرو عبد الباري said...

الأخت الفاضلة / هبه محمد
سعدت جدا بمروركم ... وفعلا هذه قصية خطيرة ربما نحاول التعرض لها

عمرو عبد الباري said...

حبيبي عمورة...
شرفت المدوتة يا عسل وابقى طميني عليك
وان شاء الله اشوف موضوعك

عمرو عبد الباري said...

الاخ الفاضل
tarek elwan
جزاك الله خيرا سيدي
وان شاء الله نتطرق لهذه القضايا لاحقا ... واسف على هذا الخطأ .. منكم نستفيد